رواية سقوط الديكتاتور بين يدي عشيقته الايرلندية

"باراغواي" ليس هذه المرة اسم تلك البلاد اللاتينية، بل عنوان رواية صادرة حديثاً للكاتبة الروائية الأميركية البارعة ليلي تاك Lily Tuck . رواية هي عبارة عن ملحمة باراغوانية وافرة، ضمن تيمة موضوعية رومانسية مخادعة ظاهريا، تدور أحداثها في سياق أحداث تاريخية. وهذه الروائية حازت في الواقع جائزة "ناشيونال بوك أوارد" في العام 2004.

من خلال مراحل وحقبات غريبة ومتنوعة ومضحكة في آن معا، تقارب بعض الأحايين مناخ الحكايات التي تصور حياة المغامرين المشتردين، بذلك الأسلوب الغماري وبأسلوب نقدي لاذع تستكشف لنا الروائية تاك، وتلاحق مسيرة الديكتاتور الباراغواني فرانسيسكو سولانو لوبيرز (1826- 1870) من ذروة المجد الذي عرفه حتى أقصى انحداره وانحطاطه، وذلك من خلال قصة الحب التي عاشها مع مومس إيرلندية.

من تكون هذه المومس؟ من تكون هذه "الفاتنة غريبة الأطوار" المدعوة إيلا لينش، التي هجرت حياتها الباريسية من أجل رجل لعوب "جيغولو" من أسوسنسيون العاصمة الأورغوانية، لتصبح محظية الديكتاتور. هذه "الغريبة العابرة"، نصف الأميرة ونصف المومس، المترفة من الطراز العالي؛ رافقت وشاركت عاشقها في سعيه الجشع الشره الى السلطة.

في رواية "باراغواي" تقدم لنا الروائية تاك لعبة أصداء وانعكاسات ومرايا خارقة، في حين أن التجربة العشقية الحميمة، لا تتوقف البتة عن تلويث وتلطيخ الواقع التاريخي. الى حد أن مصير البلاد يتماس شيئا فشيئا، ويتماثل مع مصير مع بطلته المأساوية. وحول هذه المأساوية، وهذا المصير التراجيدي بالذات تقوم الروائية تاك بحياكة روايتها..

مخطوفا منهوشا بماكينة السرد الشيطانية، نجد الديكتاتور فرانسيسكو لوبيز عاجزا كليا عن قراءة واستبطان علامات وشارات اندحاره، وينغمس في صراع مع الإخوة مع جيرانه. وقبل أن يقود شعبه الى الانجراف في حرب خاسرة سلفا ضد تحالف ثلاثي مشكل من البرازيل والأورغواي والأرجنتين.

من خلال رسائل عشيقته ايلا ومقاطع من دفتر مذكراتها ويومياتها، وعلى إيقاع انشغالاتها السخيفة الضحلة، والمغامرات المثيرة للاشخاص أو بالأحرى اتباع الدمى الذين كانوا يحيطون بهما هي وعشيقها، يتاح لنا أن ننقه شيئا فشيئا السقوط الذي يتحضر وعلى وشك الحصول، والذي يأبى كل هذا العالم الصغير، عالمهما، وبعنادٍ وبتشبثٍ في الرأي، أن يراه.

"أورغواي" رواية يتجاذبها وكأنما تياران، ما بين مد وجزر: قصة حرب ورواية غرامية. غير أن هذه الرواية تفلت من شتى التصنيفات والأنواع الروائية. وفي قلب فصولها القصيرة بالذات، تتوالد وتتضاعف انكسارات وانقاطاعات النبرة البنائية للنص، وتتلاعب بها الروائية حسبما تشاء وببراعة ملفتة. ونجد مخيلة ليلي تاك واسعة وحافلة، إذ تتزاحم في النص الشخصيات الثانوية والاستطرادات الإكزوتيكية شديدة الغرابة التي تركّبها وتنظمها الروائية تاك، ببراعةٍ، بإيقاع جامح مطلق العنان.

تقول الروائية حول هذه الرواية، حيث كل ما هناك فيها مترنح ومتذبذب، "قاعدتي تقوم على الانتباه والاهتمام لما هو غير محتمل إلى أقصى الحدود، وأن هذا بالتالي شديد الاحتمال"، فعلى حقيقة الأحداث الماضية تفضّل الكاتبة هذه الألفَ قصة وقصة المختلقة، هذا العديد من القصص المتخيلة العابثة التافهة فاضحة.

كذلك ترجرج وعدم ثبات الرجال الذين تسعى الى فضحهم، وشغف ومتعة القراءة التي لا تتوقف من الاحتفاء بهما./